شكلت قرارات رياض سلامة حاكم مصرف لبنان المركزي الرافضة لتحرير سعر صرف الليرة اللبنانية مادة للنقاش المستفيض في الأوساط المالية حيث رأت فيها فاعليات في الأسواق سياسة تستند إلى خبرة طويلة, وقد أظهرت جدواها خلال السنوات الخمس الماضية التي شهد فيها لبنان أزمات أمنية وسياسية. واعتبر المحلل المالي والاقتصادي الدكتور سامي نادر أن مصلحة لبنان تكون أولاً في استقرار عملته. وأكد رداً على سؤال لـ ''الاقتصادية'' أن السياسة النقدية المتبعة من قبل المصرف المركزي حافظت على قيمة مدخرات اللبنانيين خلال الظروف الصعبة كمرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو خلال حرب يوليو (تموز) 2006، كما شكلت في الوقت نفسه عنصراً مهما لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني وعامل جذب للتدفقات المالية إلى بيروت والتي ضاعفت حجم الودائع في المصارف اللبنانية من 40 مليار دولار في عام 2001 إلى 80 مليار دولار حتى نهاية آب (أغسطس) 2009. كما اعتبر أن هذه السياسة ساهمت أيضاً في زيادة موجودات مصرف لبنان إلى مستويات قياسية بلغت 25 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
ولاحظ الدكتور نادر أن نمو القطاع المصرفي بنسبة 20 في المائة خلال عام 2009 - هو بمثابة العلامة الفارقة, إذ يأتي في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات الأزمة المالية العالمية في الأسواق المالية العالمية كما في أسواق المنطقة، بعدما تضاءلت إغراءات الإيداعات في العالم وانحسرت عائدات الاستثمار في المصارف العالمية.
لكنه كشف أن مصارف لبنان أمام تحدٍ كبير يتمثل في فائض السيولة الذي يؤدي إلى حرب فوائد تنافسية فيما بينها, خصوصاً في ظل التراجع في حركة التسليفات التي بلغت حدود 30 في المائة من حجم الودائع بعدما كانت في مستوى 38 في المائة.
وقال المحلل نادر إن استمرار توجيه هذه السيولة إلى شراء سندات الخزانة التي تصدرها الدولة اللبنانية لا يتناسب مع قوة القطاع المصرفي لأن وصول حجم سندات الخزانة التي هي في عهدة المصارف المحلية إلى أكثر من 55 في المائة من مجموع إصدارات الدولة سيترك ارتدادات سلبية على متانة وصناعة هذا القطاع في المستقبل. ورأى أن الحل يكمن في مبادرة السلطات المالية إلى تخفيض حجم السندات, أي حجم الدين العام, للحفاظ على قوة القطاع المصرفي اللبناني الذي وصفته مجلة ''بزنس لايف'' بأنه قطاع مرتاح ويتمتع بتجربة فريدة ورائدة.
وأوضح أن تدفق الودائع اقتصر حتى اليوم على الإيجابيات لكن معظم الودائع الجديدة تم توظيفها في سوق سندات الخزانة, إضافة إلى توظيف نحو 15 في المائة منها في سوق العقارات، ما يعني أن مفاعيلها لا تزال ريعية, أي لم تدخل في الاقتصاد الحقيقي, حيث لم يعلن عن توظيف قسم منها في مشاريع إنتاجية كالصناعة والزراعة أو حتى في سوق الخدمات كالتجارة والسياحة. ولفت إلى أن الفائدة المرتفعة في سوق سندات الخزانة لا تزال مغرية للمودعين العرب بالقياس إلى الفوائد التي تعطي بالدولار, إذ يصل فارق الهامش بين الفائدتين إلى أكثر من خمس وست نقاط لمصلحة التوظيف بالليرة اللبنانية.