Thursday, December 18, 2008

سامي نادر: المطلوب استراتيجية لبنانية في حجم التحدي


بعد الهزة هزات ارتدادية تتوالى من اميركا واوروبا وآسيا القريبة والبعيدة, ونحن منها. والشظايا ليست صغيرة ولبنان ليس في منأى عنها, ولو انها بالمقاييس النسبية الأقل ضرراً.«الكفاح العربي» التقت الخبير المالي والاقتصادي الدكتور سامي نادر, الذي يعتقد ان امام لبنان فرصة لاجتذاب الاستثمارات الهاربة, اذا هو وضع استراتيجية ملائمة في حجم التحدي.€ الحديث يتردد عن إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم السوق المالي, ما رأيك بهكذا هيئة وهل ستكون تحت مظلة المصرف المركزي وتنسق بالتالي مع الهيئات الرقابية الأخرى؟يجب ألا تكون هذه الهيئة تحت مظلة أي كان, عليها أن تكون مستقلة, والتوازن بين السلطات يؤمن استقلالية كل هيئة بمفردها وهي ضرورة لأن هناك اصلاحاتٍ مهمة يفترض ان تحصل. الأزمة المالية تطورت بشكلٍ سريع وكبيرٍ سبق القوانين والتشريعات بدفعٍ تكنولوجي تملص من أي مراقبة. والتحدي الأول أمام الحكومات هو الاصلاحات المالية, بعد أن كانت الدول تحاول أن تكون سيدة قرارها الاقتصادي أصبحت الشركات المالية والمصارف بعيدة عن سيادة الدولة الاقتصادية وأصبحت تتعامل على المستوى العالمي مما وضع قمة العشرين الأخيرة أمام هذا التحدي. الجميع متفقون على ضرورة الاصلاحات, لكن المعضلة كانت في عدم وجود الرؤية الواحدة. فمع «بازل1» و«بازل 2» اتفق على كيفية إدارة المخاطر داخل الوحدة الصغيرة أي المصرف لكن التوجه الآن يتركز على إدارة المخاطر على مستوى أكبر. هذا هو التحدي, ولا بد أن يكون ذلك بدافع من هيئات رقابية عالمية وهذا ما سيحصل.€ بالإضافة إلى الحديث عن الهيئة المستقلة, كثر الحديث عن إلغاء الصناديق والمجالس كالهيئة العليا للاغاثة. هل توافق على إلغاء هذه الصناديق؟ وهل ان بقاء بعضها هو ثمن سياسي لبقاء أخرى؟­ طبعاً يجب إلغاء كل الصناديق غير الخاضعة لمؤسسات الحكومة ولميزانية الدولة والرقابة الفعلية. بعض هذه الصناديق انشئت في ظرف معين كصندوق الهيئة العليا للاغاثة بعد حرب تموز وصندوق المهجّرين, لكن عليها ألا تتحول إلى مؤسسات وبعدها إلى بيرقراطيات تضغط على ميزانية الدولة وتشل هيكليتها.€ هذا يعني أن الهدر قائم, رغم حديث وزير المال اللبناني محمد شطح عن أن الميزانية القادمة ستنفق الأموال العامة بطريقة فعالة من دور هدر. هل توافق على أن الهدر لن يتسلط على الميزانية المقبلة؟­ لا يمكنني الجزم والميزانية لم تصرف بعد. لكن رأينا ان خطة «باريس 3» كانت طموحة وفاعلة في الحد من النفقات والمحافظة على النمو, مع العلم أن من يراقب الهدر هو الهيئات التشريعية أي المجلس النيابي الذي عليه أن يقوم بدوره في هذا المجال.€ هل ترى أي زيادة في نسبة البطالة بسبب عبء الزيادات على المؤسسات الخاصة إذا تبدلت الأجواء من تضخيمية إلى غير تضخيمية؟­ أحذر من زيادة الضرائب على المؤسسات التي هي في الأصل مرهقة وتعاني الأوضاع المالية والركود, فعندها نعيق قدرتها وتتقلص فرص العمل لديها.€ أمام هذا الواقع, هل ترى استقراراً في النمو الذي سيكون حسب قول البعض بنسبة 5€ للسنة المقبلة, ام ان الوضع السياسي والأمني شكل عائقاً أمام النمو الاقتصادي الموعود؟­ نحن في صلب أزمة مالية عالمية أصبحت اقتصادية ولها ارتداداتها على الواقع اللبناني. تحويلات اللبنانيين التي كانت بنسبة 40€ من الناتج المحلي وهي نسبة مرتفعة ستتأثّر بالعامل السلبي للأزمة المالية. لكن هناك فرصة يجب الافادة منها وهي أن هيكلية المصارف اللبنانية التي تمتاز بسندات الخزينة جعلتها الهيكلية الأكثر أماناً مقارنة مع المصارف الخليجية التي أصيبت جراء الأزمة. ولكن رغم هذه الهيكلية يجب تطوير الرؤية ووضع برامج لكيفية توظيف الأموال. وللحكومة دور في توجيه وخلق الأطر المناسبة للمستثمر سياسياً واستقراراً أمنياً, ووضع إصلاحات قضائية تحفز المستثمرين ليكون لبنان واحة آمان مالية. هذه فرصة أمام لبنان يجب ألا تذهب سدى كما فعلنا بـ«باريس 3» لتلهينا بأمور سياسية سخيفة.€ لا شك في أن انعكاسات الأزمة ستطاول القطاعات كافة سيما أن بعضها حتى في ظل غياب الأزمة, في حالة مزرية كقطاع الصناعة.ما هو الحل الأنجع لتحفيز القطاع الصناعي سيما أن القيمين على هذا القطاع يطلقون النداء الأخير قبل انهياره؟­ الحل يبدإ بتسهيل التصدير, إذ لا يعقل ان تكون كلفة النقل من منطقة لبنانية ما إلى مرفأ بيروت, مماثة للكلفة بين المرفأ المذكور ومرفأ مرسيليا! وفي حال عدم تقديم تسهيلات مباشرة, لا بد عندها التقليل من الكلفة الانتاجية للمؤسسات الناجحة. خصخصة الكهرباء هي من الاولويات للتخفيف عن كاهل المصانع, كما ان تحرير قطاع الاتصالات وفتحه أمام المنافسة من الأمور البديهية التي يجب اتباعها للتخفيف من الأعباء على القطاع الصناعي وغيره من القطاعات.€ رغم انخفاض سعر النفط العالمي, تبقى أسعار السلع في الأسواق اللبنانية على حالها. ما هو السبب؟ وهل صحيح أن مرد ذلك الى البضائع المكدسة التي لم يتم تصريفها إلى الآن والتي تم شراؤها في مراحل الغلاء السابقة؟­ على الهيئات الرقابية أن تلعب دورها. الأسواق الأميركية مثلاً تتفاعل مع تبدل المعطيات الاقتصادية وتدني الأسعار. وبسبب غياب المنافسة داخلياً وتحكم بعض المؤسسات بالأسواق عندنا, نرى عدم التبدل في الأسعار ومن حق المستهلك الافادة منها تبعاً للأسعار العالمية.€ هل ترى إنخفاضاً في أسعار النفط, وهل ستتأثر أسواقنا بذلك؟­ سيكون الانخفاض طبيعياً, لكن لن تكون تأثيراته هنا فعالة بالقدر الذي تتأثّر به الأسواق الأوروبية والأميركية, وبالتالي لن نرى تبدلاً ملحوظاً في أسعار السلع.€ هل سنرى تكتلات نفطية جديدة على غرار الأوبك؟ يجرى الحديث مثلاً عن قيام تكتل غازي بين روسيا وقطر وليبيا وفنزويلا. ما هي انعكاسات هكذا تكتل اذا صح نشأ؟­ الكل يحذو حذو الأوبك, وقيام هكذا تجمع سيكون للطلب الزائد على استعمال الغاز لأسباب بيئية؟­ هكذا تكتلات لا يمكن ابعادها عن الأسباب السياسية. ما تعليقك على تصريح رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون عن أن «بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا سيكون لها دور في إقامة نظام عالمي جديد» أتاحته الأزمة المالية. هل هذا يعني أن هذه الأزمة ستؤدي الى خلط أوراق سياسية في المنطقة؟طبعاً, الأزمة المالية وتدني أسعار النفط وانخفاض الاحتياط المالي الاستراتيجي لبعض الدول, ستؤدي كلها الى التقليل من تأثير هذه الدول في المعادلة السياسية.€ ما هو الدور الاقتصادي الذي سيلعبه وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض؟­ لا شك أن أوباما وصل إلى البيت الأبيض على خلفية الأزمة المالية, والحكومة الأميركية ستركز على الانفاق لاطلاق الدورة الاقتصادية من خلال إطلاق الطلب في الأسواق. ستكون سياسة الرئيس الأميركي الجديد شبيهة بسياسة كلينتون الاقتصادية لا سيما أن الفريق الذي رافق الأخير هو نفسه القادم إلى البيت الأبيض, وستكون سياسته تفعيل الطلب وإدارة النفقات لا سيما الابتعاد عن النفقات العسكرية الكبرى التي خنقت الاقتصاد الأميركي.
هيثم الشاعر

نادر: التكنولوجيا أتاحت للمضاربين الإمساك بالاقتصادات ما ساهم بحدوث الأزمة المالية العالمية


الخبير المالي اللبناني أكد أن مصارف كثيرة تحولت إلى المضاربة لجني الأرباح
المواطن العربي لم يستوعب بعد كيف تراجع سعر طن الحديد من 1600 الى 600 دولار؟
الهيئة العامة للاستثمار تدخلت في بعض البنوك الأميركية لإنقاذ محافظ مالية لها فيها؟
اعتبر الخبير المالي والاقتصادي البروفسور سامي نادر أن موجة الاضطراب المالي سببها الطفرة المالية التي لم تكن موجودة من قبل, لأن
الأسواق المالية الجديدة والناشئة أعطيت دفعاً ترافق مع تطور تكنولوجي ومعلوماتي غير مراقب", واصفاً الأزمة العقارية ب¯"أنها كانت خطأً ارتكبته حكومة الرئيس بيل كلينتون, عندما قررت تأسيس شركتين لضمان العقود العقارية Freddy Macو Faany Mae ما حول المصارف إلى مجرد وسيط".
ورأى في حوار مع "السياسة", "أن غياب التشريع والمراقبة, أطلق العنان للمضاربة المالية, وأصبح المضاربون ممسكين بالاقتصاد, حتى أن أهم المصارف وبنوك الاستثمار تحولت إلى مضاربين, همهم جني الأرباح وليس الاستثمار ودرء المخاطر".
وأشار نادر إلى أن أسباب تأثر الأسواق المالية العربية بالأزمة, مرده لإقدام المؤسسات المالية والصناديق السيادية والمصارف الإسلامية على توظيف جزء من أصولها في بنوك الاستثمار الأميركية التي شهدت بعض الأزمات, وحاولت هذه الصناديق إنقاذها", لافتاً إلى "أنه سبق للصندوق السيادي الكويتي أن تدخل لإنقاذ بعض بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية, لأن لديه الكثير من المحفظات المالية فيها"...
ووصف دور القطاع العام في العالم العربي ب¯"الفاعل وصاحب المشاريع الكبيرة, وأن لديه نوعاً من الحصانة المتمثلة بالإيرادات النفطية", ناصحاً هذا القطاع "القيام بورشة إصلاحات", ولافتاً إلى "أن عملية توزيع المخاطر يجب أن تتم بشكل أوسع".
وكشف نادر أن "ما نسبته 80 في المئة من الدين العام اللبناني تتحمله المصارف اللبنانية, وهذه المسألة وضعت لبنان بمنأى عن الأزمة القائمة, وبما أن قيمة الموجودات تشكل ثلاثة أضعاف الدين العام, أي ما يساوي 300 في المئة, فهذا الأمر يعطي المصارف اللبنانية حصانة وهو من العناصر المطمئنة في عز الأزمة".
ورأى "أن رب ضارة نافعة, فلو كانت الأسواق اللبنانية متطورة لكانت الأصول السامة تسللت إليها, لكن توظيف الكتلة النقدية في سندات الخزينة طوال 15 سنة, ساهم بتحسين وضع المصارف اللبنانية".
وهذا نص الحوار:
ما أسباب هذا الاضطراب المالي الذي يضرب العالم?
/ ما حصل في السوق المالي العالمي, كان نتيجة طفرة مالية, وطفرة سياسية, بعد حصول تطور في اقتصادات مالية جديدة, لم تكن موجودة من قبل, لأن كل الأسواق المالية الجديدة هي أسواق ناشئة, أعطيت دفعاً ترافق مع التطور التكنولوجي والتطور المعلوماتي غير المراقب.
وفي نفس الوقت كان العالم يشهد نمواً وطفرة مالية ونقدية, جرى توظيف قسم منه في هذه الأسواق, كما أن هذه الأزمة العقارية التي حصلت, كانت نتيجة قرار حكومي خطأ, لحكومة الرئيس كلينتون, باعتماد ضمانة قروض عقارية وتأسيس شركتين (فانيميه وفلايمار). هذا الأمر أدى للإقبال على القروض العقارية في وقت كانت أسعار العقارات على ارتفاع.
وبما أن هذه القروض كانت نوعاً ما مؤمنة ومضمونة من الدولة, تحول المصرف إلى مجرد وسيط, بمعنى أنه ابتعد عن عمله, وأهمل عمله الأساسي وهو مراقبة الأخطار, لأن دور المصرف مراقبة المخاطر, ودراسة ملف كل عميل. هذه الأمور غابت, لأن المصرف في مكان كان يعتقد بأن حقه مضمون. وهناك دولة ضامنة لهذه القروض. فعندما أعطت البنوك تلك القروض, وذهبت لتشغيل الأصول العقارية في الأسواق المالية الناشئة التي تسمى بأسواق المشتقات المالية, أصبح من يحمل ورقة الأصول العقارية لا يدري ما الجهة التي تدفع له, ولا يعرف من يكون العميل النهائي.
هذا التطور التكنولوجي الذي حصل, جعل حامل السند لا يعرف العميل الحقيقي, هذه الطريقة غير سليمة, وهي التي أدت إلى هذه الضبابية لغياب الرؤية الواضحة, حول درجة المخاطر التي تحملها هذه المصارف.
هل يعقل أن يكون الوضع في دول كأميركا وروسيا والصين واليابان, من دون ضوابط مالية تحافظ على اقتصادها المالي?
/ عادةً التكنولوجيا تسبق الأنظمة والقوانين, والاقتصاد يسبق عملية التشريع, هذه الفورة الاقتصادية مقابل الفورة في التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات, سبقت التشريع الذي هو ضروري جداً, وخرجت الرأسمالية واقتصاد السوق عن قواعد اللعبة, لأن السوق لم ينشأ للمضاربة, السوق أنشئ للمستثمر, الذي عليه حماية مصلحة المستهلك والمستثمر, ويقرب المستثمر من الاقتصاد, وليس المضارب كما حصل.
غياب التشريع والمراقبة, أطلق العنان للمضارب, وأصبح المضاربون ممسكون بالاقتصاد, حتى أن أهم المصارف وبنوك الاستثمار تحولوا إلى مضاربين, وأصبح همهم ليس الاستثمار ودرء المخاطر والتوظيف في الاقتصاد, إنما جني الأرباح بطريقة بعيدة عن الأخلاق, وبعيدة عن الآداب, ليستفيدوا من غياب هذا التشريع, لدرجة مصرف مثل (هيومن براذر), رأس ماله 42 مليون دولار, تصبح موجودات 1000 مليار دولار. هذا أمر غير مسموح نتيجة غياب الرقابة التامة والأسواق المفتوحة على بعضها نتيجة العولمة والتطور التكنولوجي, التي كان من نتيجتها انتشار الأصول المسمومة كالسرطان في السوق المالي العالمي.
كيف تأثرت الأسواق العربية بما حدث في أميركا
كيف تأثرت الأسواق المالية العربية بأزمة مالية حصلت في الولايات المتحدة وعدد من مراكز القرار المالي العالمي?
/ بالنسبة للدول العربية, هناك صناديق سيادية توظف أموالها في هذه المصارف, كما أن هناك مصارف إسلامية توظف أموالها في هذه الأسواق, مثلها مثل كل المصارف التي لديها موجودات وودائع عليها توظيف جزء منها في هذه الأسواق المالية للتخفيف من حدة المخاطر, ولا ننسى بأن هذه المصارف كانت تجني أرباحاً طائلة.
كل المؤسسات المالية والصناديق السيادية والمصارف الإسلامية وظفت جزءاً من أصولها في بنوك الاستثمار الأميركية, التي شهدت بعض الأزمات وحاولت هذه الصناديق إنقاذ بعض المؤسسات وصندوق السيادي الكويتي سبق وأن تدخل لإنقاذ بعض بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة الأميركية, لأن لديه الكثير من المحفظات المالية فيها.
أضف إلى ذلك وجود قلة في الشفافية في الأسواق المالية وفي الصناديق والمؤسسات المالية. مطلوب منها اليوم أن تكون أكثر شفافية في الإعلان بشكل دوري عن موجوداتها وطريقة استثمارها.
اليوم لا نعرف حجم الخسارة بغياب هذه الشفافية, ولكن تبقى هذه الاقتصادات محصنة أكثر من غيرها بسبب الموارد النفطية التي تشكل حصانة أو خط دفاع أول أمام الانهيارات الكبيرة.
الموارد النفطية عادة تدعم مالية الدولة, وفي هذه الحالة من يدعم القطاع الخاص الذي مني بخسائر كبيرة?
/ خسائر القطاع الخاص كبيرة, ولكن القطاع العام في البلاد العربية وفي لبنان مستثمر من الدرجة الأولى, وما يؤكد ذلك أن جزءاً كبيراً اليوم من محفظة البنوك اللبنانية تستفيد من سندات الخزينة, بينما المفروض في عملية توزيع المخاطر أن تسلف على الأقل بنسبة أكثر للقطاع الخاص, ولكن دور القطاع العام في العالم العربي هو دور فاعل, وهو صاحب مشاريع كبيرة, ويصرف أموالاً أكثر من الاقتصادات الأخرى, كما أن لديه نوعاً من الحصانة, وهي الإيرادات النفطية التي تأتيه بشكل دوري.
القطاع المصرفي العربي
إذا استمرت الأزمة مدة أطول, كيف يستطيع القطاع المصرفي العربي أن يحمي نفسه من تداعيات أكثر خطورة?
/ عليه القيام بورشة إصلاحات أكبر, لقد آن الأوان للمباشرة بها. عملية توزيع المخاطر يجب أن لا تتم بشكل أوسع. وهناك نقطة يجب أن تسجل للمصارف اللبنانية والعربية, بأنها في موضوع تسليف القطاع الخاص تقوم بواجبها على أكمل وجه, وهي حريصة على ضبط المخاطر, وقسم كبير منها يقيد بتوصيات مؤتمر "بازل - 2" الذي وضع إطاراً عاماً لعملية إدارة المخاطر عالمياً, ولكن تبقى على الدولة مسؤولية التخفيف من حجم نسبة الدين العام, لأن الدين العام تتحمله المصارف المحلية.
مثلاً في لبنان 80 في المئة من الدين العام تتحمله المصارف اللبنانية. ما وضعها بمنأى عن الأزمة, ولكن على المدى الطويل ستضعها على جزء معين من المخاطر, وطالما أن قيمة الموجودات تشكل ثلاثة أضعاف حجم الدين العام, فهذا ما يطمئن إلى سلامة الودائع في المصارف اللبنانية, والتي تساوي 300 في المئة أكثر من حجم الدين العام, وهذا شيء جيد يعطي حصانة, ومن العناصر المطمئنة في عز الأزمة تحويل الإيرادات إلى المصارف اللبنانية, ما جعل المصارف اللبنانية هي الملاذ في جو الخربطة المالية.
بعض الخبراء يميلون إلى الاعتقاد بأن السياسة المالية التقليدية هي التي أنقذت القطاع المالي من الانهيار, إلى أي مدى تصح هذه النظرية?
/ هذا الكلام فيه جزء من الحقيقة, لأن أسواقنا المالية ليست متطورة, وكان يجب أن تكون متطورة أكثر, ولو كانت كذلك لتسللت هذه الأصول والسندات السامة إلى الداخل اللبناني, لكن حصرية الدولة اللبنانية, وعملية أنقاض الكتلة النقدية وتوظيفها في سندات خزينة طوال ال¯ 15 سنة الماضية, كانت بمثابة عامل ضغط على الخزينة وعلى الاقتصاد, بمعنى أنها حصنت المصارف اللبنانية, لأن من يحمل سندات خزينة غير معرض للخطر إنما من يحمل سندات أخرى أصول عقارية أو سندات تابعة للمشتقات المالية.
في لبنان رب ضارة نافعة, والسياسة التي كانت قائمة على حصرية الدولة بصفتها المستثمر الأكبر واللاعب الاقتصادي الأكبر, وهي سياسة خطأ على القطاع, واليوم تم تحصينها من أداء سيئ والخروج عن قواعد اللعبة كما حصل في الخارج.
المستفيدون من الأزمة المالية العالمية
بعد كل خسارة هناك مستفيد. من المستفيد من هذا الاضطراب المالي على مستوى العالم?
/ كل مستدين لم يستطع إيفاء دينه, استفاد من هذه التسهيلات هو إنسان مستفيد. كل مصرف استثماري غامر وقامر, وخرج عن دوره كمستثمر ودخل في دور آخر كمضارب وتم إنقاذه في آخر لحظة, هو أيضاً مستفيد.
حتى الآن المواطن العادي لم يستوعب بعد, كيف وصل سعر طن الحديد إلى 1600 دولار واليوم تدنى سعره إلى 600 دولار, وكيف بلغ سعر برميل النفط الخام 160 دولارا, واليوم انخفض إلى حدود 60 دولارا?
/ هذا الأمر يحصل بسبب الأسواق غير المراقبة, وبسبب الربح السريع, لقد حصل نوع من امتصاص للسيولة, وعملية تضخم من أحد أسبابها نشوء هذه الأسواق, والتوقعات أنها أساسيات مبنية على أسواق سليمة, فأصبح حجم هذه الأسواق 60 تريبل دولار, ما جعلها تمتص السيولة في العالم. فحصل تضخم نتيجة التوظيف في هذه الأسواق, لأن مردودها مرتفع فكانت تدفع للرأسمال أكثر بكثير مما تسمح لها أساسياتها.
في الماضي قيل بأن سبب ارتفاع الحديد تصديره إلى الصين, هل أصبح لدى الصين اليوم اكتفاء ذاتي?
/ في الماضي ازداد الطلب على الأسواق الصينية, بينما الصين اليوم لا تحمل الأصول المسمومة, لماذا انهارت أسواقها? لأن الطلب خف كثيراً عندها. والاقتصاد عادة مبني على التوقعات. في العام الماضي كانت قاطرة الاقتصاد الصيني هي السوق الأميركي, عندما انهارت السواق المالية وانهار الاقتصاد الأميركي, وتحولت الأزمة من أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية تعرض الاقتصاد الصيني للانتكاسة, لأن أكبر مصدر للصين السوق الأميركية, وهذا ما أدى إلى انهيار المواد الأولية كالحديد والنفط وباقي المواد الأخرى, لكن ذلك يعطيها فرصة, لأنها بدأت تشهد تراجعاً قبل حصول الأزمة بسبب كلفتها التصنيعية وارتفاع أسعار البترول بشكل هائل.
تدهور أسعار المواد الأولية يعطي الاقتصادات الناشئة ميزات تفاضلية تزيد من تنافسها, وهذا سيكون الدافع لعملية الانطلاقة بعد انحسار موجة الفساد والذي يشهدها السوق.
التخطيط للانهيار المالي
البعض يعزو سبب الانهيار المالي في الولايات المتحدة إلى دور الولايات المتحدة بانهيار الاتحاد السوفياتي, فهل هذه النظرية صحيحة?
/ لا أعتقد بأن الانهيار المالي على صعيد العالم كان مخططاً له, ولكن الأزمة التي حصلت لها تداعيات مهمة جداً جيوستراتيجياً, لأنه بدون شك فإن عملية الحد من الخسائر, ولو نظرنا إلى خسارة أوروبا لوجدنا أن نسبتها أقل, أيضاً التأثير على السوق الروسي كانت نسبته أقل.
المسألة الثانية, أعداء أميركا, فنزويلا وإيران, وهما محط أنظار, وعلى مواجهة مع الولايات المتحدة فإذا هبط سعر النفط إلى ما دون 80 دولارا, يقال: لم يعد هناك أحمدي نجاد وشافيز, بمعنى أن الرئيس الفنزويلي والرئيس الإيراني كانا مستفيدين من ارتفاع النفط سياسياً وبشكل هائل, بينما السعودية النقطة التي تسمح لها بأن تبقى على توازن في ميزانيتها العامة هي 49 دولاراً. من هنا كان طلب إيران وفنزويلا التخفيف من العرض للحفاظ على السعر بمستوى 80 دولارا, فلم يتم التجاوب مع هذا المطلب من المملكة العربية السعودية, لأن قدرتها على استيعاب الصدمة, والاستمرار هي أكبر.
هل يستطيع لبنان حماية اقتصاده من الانهيار في حال استمرار الأزمة?
/ مصرف لبنان يعتمد سياسة مصرفية حكيمة, وطالما ما زالت الثقة موجودة, وموجودات المصارف اللبنانية تغطي الدين العام, بهذه النسبة سيبقى لبنان بمنأى من الانهيار المالي. ولكن هذا لا يكفي لأن هناك وضعاً اقتصادياً ضاغطاً, طالما لسنا بأزمة مالية, بل بأزمة اقتصادية. وللخروج منها مفروض علينا زيادة الإنتاج. ولمزيد من الإنتاج, لا بد توفير الأمن لزيادة الإنتاج والقيام بورشة إصلاحات حقيقية.
تأثير الأزمة على الاستثمار
في "باريس - 3" وضعنا القطار على السكة, ولكن حرب تموز أتت على كل شيء, والأزمات السياسية التي توالت, كان لها تأثيرها ويبقى التحدي وهو الخروج من الأزمة الاقتصادية بأقل الخسائر الممكنة, مما يتطلب إصلاحات سياسية جذرية, إن في موضوع الخصخصة أو بتطوير أسواقنا المالية وبترشيد الدين العام, وتخفيف حجم القطاع العام.
ما تأثير هذه الأزمة على قطاع الاستثمار?
/ قطاع الاستثمار معرض للتأثر, لأن المستثمر في مثل هذه الظروف هو إنسان خائف. في هذه المرحلة ستجمد الاستثمارات بسبب القلق والتضخم الحاصل. هذه الاستثمارات يجب أن تذهب إلى مشاريع يراها المستثمر بأم العين, والمصرف يجب أن يقوم بدوره كمراقب ومحلل لهذه المخاطر, وهذا يعطي للبنان وللقطاع المصرفي قوة كي يقدر القطار المصرفي أن يستوعب قسماً من هذه الاستثمارات.
لبنان إذا قدم مشاريع استثمارية واضحة تديرها البنوك باعتبارها وسيط فاعل يقوم بواجبه كما هو لازم, ممكن أن يستفيد من انكفاء المستثمر بابتعاده عن أسواق المشتقات المالية إلى مشاريع حسية أكثر.
ويستفيد من الثقة في القطاع المصرفي اللبناني, ويستفيد من عدم ثقته بالأسواق المالية الأميركية أو الأوروبية, بعد أن امتصوا كل الاستثمارات وكل السيولة. ومن الممكن لهذه الاستثمارات أن يبقى عنصر ثقة فيها القطاع المصرفي اللبناني.
وماذا تقول للاقتصاديين العرب للحفاظ على اقتصادهم?
/ مرة جيدة إذا حصلت أزمة مالية وتطلب تدخل الحكومة, هذا لن يكون على حساب دور القطاع الخاص, لأنه من الضروري تفعيل هذا القطاع وتفعيل المنافسة, لأن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للاقتصاد. الخطأ لم يحصل نتيجة خطأ ارتكبه القطاع الخاص. القطاع العام جاء وأنقذ الخطأ, جاء بنتيجة تقصير القطاع عن القيام بمهامه. بالنسبة لنا علينا أن نأخذ العبر, وكل مصرف عليه مراقبة الأخطار كما يجب, وليسرع بتنفيذ الاصطلاحات المطلوبة من مؤتمر بازل, ويرشد القطاع المصرفي, ويفعل دور القطاع الخاص أكثر وأكثر, ويوضع الإطار المؤسساتي الضروري لهذا الموضوع.